Les recommandations de Luqman le sage (dossier)

Publié le par 3ilm char3i-La science legiferee

Les recommandations de Luqman le sage (dossier)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّلاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ -13- وَوَصَّيْنَاالإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُفِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ -14- وَإِنجَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَاوَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ . ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ -15- يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍأَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَلَطِيفٌ خَبِيرٌ -16- يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَعَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِالأُمُورِ -17- وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِمَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ -18- وَاقْصِدْ فِيمَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُالْحَمِيرِ-19-﴾ ( لقمان: 13-17)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه

أما بعد

فقد أحببت أن نتأمل في هذه الآيات العظيمة التي جمعت بين العقيدة والعبادة والأخلاق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ منأعظم الآيات التي ينبغي أن نتدبرها ونستفيد منها عقيدةً وعبادةً وأخلاقا؛ لأننانتعلم العلم لنعمل ولنتخلق بما نعرفه من كتاب الله ومن سنة رسول الله وسيرته صلىالله عليه وسلم

فالله تبارك وتعالى يذكر نعمته على لقمان- لقمان الحكيم – مشهور بهذا الوصف لا يُذكر إلا ويقال: لقمان الحكيم؛ لأن الله شهد له بأنه قد آتاهالحكمة، وحيث آتاه الله الحكمة فعليه أن يشكر الله تبارك وتعالى ووضع قاعدة، فقالسبحانه وتعالى : ﴿ومَن شَكَرَ فإنما يَشكُر لِنفسه﴾ لأن الفائدةتعود عليه، فالله غني حميد، إن شكره الناس فلأنفسهم، وإن كفروا فعليهم، لا يفيدهشكرهم، ولا يضره جحودهم وكفرهم كما مر بنا غير مرة ومنها ما ذكرناه في حديث أبي ذررضي الله عنه: ( يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرِّي فَتضروني ولَنتبلغوا نفعي فتنفعوني )

فهذه القاعدة موجودة في الكتاب والسنة ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَاوَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ (فصلت 46)

أثنى الله علىلقمان بأن الله قد وهبه الحكمة وذكر هذه القاعدة العظيمة ثم بين بعض الحكمة التيآتاها الله لقمان : ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَيَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، وهذه من حكم لقمان ومن كل داعية حكيم يضعالأمور في مواضعها، والأنبياء كلهم علماء، حكماء ويضعون الأمور في مواضعها ويسيرونفي دعوتهم على أساس هذه الحكمة ويربون الناس على أساس هذه الحكمة

فمنالحكمة أن تبدأ بأهم الأمور فأهمها، كما في حديث معاذ الذي هو بيان من رسول اللهصلى الله عليه وسلم لمنهج الدعوة إلى الله تبارك وتعالى : ( إنك تأتي قوما أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إلهإلا الله …ثم ذكر الصلاة والزكاة)، لقمان كذلك يعني دعَا ابنه إلى التوحيد ونهاه عن الشرك، ثم بعد ذلك جاء أمره بالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،هذا من الأدلة على حكمته

ومن الحكمة أن تسير على منهج الأنبياء عليهمالصلاة والسلام في دعوة الناس وتريبتهم على دين الله؛ تبدأ بالأهم فالأهم

فلا شك أن العقيدة والتوحيد وتطهير العقول والمجتمعات من الشرك هذا هو الأساس الأصيل الذي لا يجوز أن يُبدأ بشيء قبله، والذي يتجاوز هذا المنهج ويخترعمناهج تخالف هذا المنهج فقد ضل سواء السبيل

﴿ لا تُشْركبالله إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عَظيم ﴾لا أعظم من الشرك بالله تبارك وتعالى؛ لأنهذنب لا يغفر قال تبارك وتعالى ﴿إن الله لا يغفرُ أن يشرك به ويغفرما دون ذلك لمن يشاء﴾ ﴿ومن يشرك بالله فكأنما خَرَّ مِنالسماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مَكان سَحيق﴾ ،قال: ﴿ إنَّ الشرك لَظُلْمٌ عظيم

عن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال: لَمَّا نَزَلَتْ هذه الْآيَةُ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا ولم يَلْبِسُواإِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ﴾ شَقَّ ذلك على أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: أَيُّنَا لم يَظْلِمْ نَفْسَهُ ؟! فقال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ( ليس كما تَظُنُّونَ إنما هو كما قال لُقْمَانُلإِبْنِهِ: يا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌعَظِيمٌ).([1])

فبين لهم أن المراد بالشرك إذا أطلق إنما هو الشركالأكبر، والكفر العظيم الذي يستحق صاحبه غضب الله الشديد وتعذيبه الخالد المؤبد؛ذنب لا يغفر ولهذا قال لقمان لابنه

﴿ إن الشرك لظلم عظيم

ثم قال الله تبارك وتعالى كلاما معترضا أثناء وصايا لقمان الحكيم لابنه،والله تبارك وتعالى في عدد من الآيات يقرن حقّ الوالدين بحقّه؛ فتأتي الوصية بحقالله تبارك وتعالى ثم يعقبها الوصية بحق الوالدين في عددٍ من الآيات

﴿وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِإِحْسَاناً﴾

﴿وقَضى ربك ألاَّ تَعبُدَ إلا إيَّاهُ وبالوالدينإحساناً﴾

وهنا ذكر وصية لقمان لابنه وعقبها بقوله

﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناًعَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّالْمَصِيرُ﴾

وَصَّاهُ بحقِّ والِدَيْه أنْ يُحسن إليهما، وبين الأسباب التيتحتم عليه أن يشكر لهما ويعرف حقهما، أشار إلى ماذا تعاني الأم التي أوصاك اللهبالإحسان إليها﴿ حَمَلتْهُ أُمُّه وهنًا عَلى وهنٍ﴾يعني؛ ضعفاً علىضعف؛ هي ضعيفة البنية وتزيدها آلام الحمل ومشاكله ومشاقّه من الغثيان ومن الدورانومن الوحم كما يسمونه إلى آخره، آلام ومشقات، وبعد هذا آلام الوضع: ﴿ حَمَلتهُ كُرهاً وَوَضَعَتْهُ كُرهاً﴾مَشقة وتَعب وأخطار وقد تموت، ثم بعد ذلكتربيك وتسهر عليك، ويحول الله دمها إلى حليب لترضعه منها، وخير شيء لتربية الولد ونمو جسمه أن يرضع من لبن أمه؛ حمل وولادة؛ حمل على كره وعلى ضعف وعلى مشقّات،والولادة كذلك، وبعد ذلك التربية والحضانة والرعاية وسهر وتعب وبكاء وآلام فعليك أنتكافئها، ولهذا قرن الله شكرهما بشكر

ه﴿ أَنِ اشْكُرْ لِيوَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾.

إن لم تقم بحق الله وشكره وشكروالديك فسوف يعاقبك على عدم القيام بحق الله وبحق الوالدين أو التقصير في أيهما

﴿ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾هذا فيه وَعيد، وسيُحاسِبُكعلى ما قدمت في هذه الحياة؛ هل قمت بشكر الله ؟ هل قمت بالواجبات التي شرع الله ومنأهمها بعد حق الله وحق رسوله: حق الوالدين ؟ حق الوالدين؛ والله من وراءك حساب إنلم تعامل أبويك وتقم بحق الله وحق والديك من الشكر فإن الله ما خلقك سدًى ولا هملا،وإنما خلقك لتعبده وتقوم بأوامره وتبتعد عن معاصيه، ومن أوامره: أمره إيّاك بالقيامببر والديك بعد القيام بحقه سبحانه وتعالى، والله لا يضيع مثقال ذرة ولا يظلم مثقالذرة .

قال الله تبارك وتعالى بعد ذلك : ﴿وَإِن جَاهَدَاكَعَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ .

إذا أمراك بمعصية الله؛ كبيرة كانت أم صغيرة، وعلى رأس المعاصيالشرك بالله، فلا تطعهما، فليس لهما أي حق أن يأمراك بمعصية الله شركا كان أو غيره(لا طاعة لمخلوق في معصية الله)([2])فإن أعاناكعلى طاعة الله ووجهاك وربياك التربية الصحيحة فهذا لهما وإن انحرفا وجاهداك واجتهداعلى أن تدخل في الشرك بالله عز وجل وتقع فيه فلا طاعة لهما، ولكن لا يسقط برهما ولوجاهداك وآذياك لتكفر بالله عز وجل فعليك أن لا تنسى حقهما، ﴿وصاحبْهُمَا في الدنيا مَعرُوفًا﴾يعني؛ تحسن إليهما وتبرهما وتنفق عليهما ولو كانا كافرين، وتبرهما في غير معصية الله؛ تخدمهما والمطالب التييطلبانها منك عليك أن تقوم بها، وهذا من المعروف؛ كل ما يطلبانه مما ليس بمعصيةفعليك أن تقوم به

فحق الوالدين لا يسقط، ولو وقعا في بدعة، ولو وقعا فيالشرك، فإنه لا بد أن تصحابهما في الدنيا معروفا

ثم عليك أن تتبع سبيل منأناب﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ترجع إلى الله تبارك وتعالى وتطيعه وتعبده متبعا سبيل المنيبين إلى الله من الأنبياء وأتباعهم من العلماء الناصحين وعباد الله الصالحين؛ تقوم بحق الله تبارك وتعالىوحقوق العباد فإن هذا سبيلهم؛ سبيل من أناب أن يقوموا بحقوق الله وحقوق خلقه؛ منالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، وأمور أخرى يراها هذا المنيبإلى الله تبارك وتعالى

يعني في التوحيد وفي العبادة وفي الأخلاق وفي كل ماجاءت به الشرائع من الخير وما نهت عنه من الشر ومن ذلك الشرك بالله تبارك وتعالىومحادّة الرسل ومخالفتهم؛ هذا هو المنيب الرجّاع إلى الله؛ إن أذنب يتوب إلى اللهتوبة نصوحا، ويتبع أحسن الحديث وهو ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام المشتملعلى التوحيد ومحاربة الشرك والاستسلام لله رب العالمين في كل ما يأمر به وينهى عنه

﴿ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَاكُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ مرجع الناس جميعا إلى الله تبارك وتعالى وسيحصي عليهمكل شيء وينبئهم به، ومن ذلك هل قام الولد ببر أبويه ؟ وهل استقام الأبوان على دينالله الحق ؟ وسيحاسبهما الله على ما كان يأمرانك به من الشرك

فالمرجع إلىالله سبحانه وتعالى وسينبئ العباد؛ الخلق كلهم مرجعهم إلى الله، وسوف يسأل الله كلالمخلوقين؛ كل بني آدم، بل الجن والإنس سوف يسألهم ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّالْمُرْسَلِينَ -6- فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ-7-﴾ (الأعراف 6-7).

هناك ينصب الله تعالى الموازين، فتوزن أعمال العبادإن خيرا وإن شرا فشرّ، ويأتي بمثاقيل الذر في هذا الحساب الدقيق الذي أحاط الله منهبكل ذرة من ذراته؛ من الأعمال الصالحة والسيئة﴿ ثُمَّ إِلَيَّمَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾بالعمل والعقائد؛العقائد الصحيحة في ميزان الحسنات والعقائد الفاسدة في ميزان السيئات، الأعمالالصالحة في كفة الحسنات والأعمال الطالحة في كفة السيئات

ويُعطي الله كلواحد كتابه بيمينه سبحانه وتعالى كما ذكر في سورة الحاقة : ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُاقْرَؤُوا كِتَابِيهْ -19- إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيهْ -20- فَهُوَ فِيعِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ -21- فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ -22- قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ -23- كُلُواوَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ -24- وَأَمَّامَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَكِتَابِيهْ -25- وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ -26- يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ-27-مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ -28-هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ -29- خُذُوهُ فَغُلُّوهُ -30-ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ -31- ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاًفَاسْلُكُوهُ-32-﴾(الحاقة : 19-32)

بعد هذا استكمل الله تعالىوصية لقمان ووعظه لابنه فقال :

﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُمِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِأَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾

دعاه إلى التوحيد وبين له علم الله وعظمته وقدرته؛ علمه الذي أحاط بكل شيءفي السماوات وفي الأرضين، وأن الله لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرضولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين، فهذا العلم علمه الأنبياء؛ كل الأنبياءيعرفون هذا ويلقنون الناس هذه العقائد، وهذا مما تلقاه لقمان من النبوات، ويذكر أنهكان معاصرا لداود عليه الصلاة والسلام، بعد رسالة نوح وهود وصالح وإبراهيم وموسىوالأنبياء بعد موسى عليه الصلاة والسلام إلى داود، فهذه الأمور موجودة عندهم؛ الأمربتوحيد الله ووصف الله بصفات الكمال، ومنها قدرته على كل شيء؛ لا يعجزه شيء فيالأرض ولا في السماء صغيرا كان أو كبيرا ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَاأَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ .

وإن الله أحاطبكل شيء علمًا وأن العباد لا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء سبحانه وتعالى، فكلذرة في الكون وكل قطرة وكل ورقة وكل شيء يعلمه الله تبارك وتعالى لا يخفى عليه منخافية ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّهُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّيَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍإِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام 59)، علمها الله سبحانه وتعالىوسجلها في لوحه المحفوظ، وسجل الأعمال في الصحف التي تكتبها الملائكة على العباد منخير أو شر

والله ما سجل في الكتاب هذا لأنه ينسى -تعالى الله عن ذلك-،وإنما هو يعلمها قبل أن تكتب وبعد أن تكتب، وفي كل لحظة من اللحظات لا يغيب عنه شيءسبحانه وتعالى في السماء ولا في الأرض؛ هذه الجبال، هذه الرمال، هذه القطرات، هذهالبحار بأمواجها وقطراتها وما فيها من حيوانات وما فيها من مخلوقات، فالله يعلمهابكلياتها وجزئياتها صغيرها وكبيرها، أحاط بكل شيء علما سبحانه وتعالى

هذهالعقيدة يلقنها لقمان لابنه﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُمِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ ﴾صخرة صماء يعنيقوية متينة لا ينفذ أحد إلى ما فيها الله يعلمها ويخرج هذا المثقال حبة من هذهالصخرة؛ يخرجها ويحاسب عليها فاعلها إن كانت سيئة أو خطيئة وإن كانت حسنة لا تضيععند الله تبارك وتعالى﴿ إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراًعَظِيماً ﴾(النساء 40)

﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنتَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ ﴾أَدَقّ الأشياء لا وزن لها واللهسبحانه وتعالى يعلم وزنها ومقدارها وأين كانت في السماوات أو في أعماق البحار أو في صخرة من الصخرات، بعضهم يقول الصخرة التي تحت الأرضين، لكن الظاهر أعم؛ في أي صخرةمن الصخرات، يعني هذه مبالغة في بيان نفوذ علم الله وقدرته سبحانه وتعالى وأنه لايعجزه شيء ولا يخفى عليه مثقال ذرة سبحانه وتعالى

هذه عقيدة عظيمة يجب أنيستحضرها المسلم في كل لحظة من لحظات حياته؛ يستحضر أن الله مطلع عليه ورقيبٌ عليهوعالمٌ به سبحانه وتعالى وقادرٌ عليه وقادرٌ على كل شيء هذه عقيدة عظيمة يجب أنيلاحظها المسلم وأن يستحضرها دائما .

ولهذا؛ لقمان -أولا- دعا ابنه إلى تركالشرك ونهاه عنه ومعنى هذا أنه يأمره بالتوحيد وبين له خطورة الشرك بالله ﴿ إنَّ الشِّرك لَظُلْمٌ عَظيم ﴾ثم بين له عظمة الله تبارك وتعالى عظمة اللهلألا يتخذ السفهاء معه أندادا وهذا بعد صفات كماله سبحانه وتعالى وإلا فلله الأسماءالحسنى ولا يحيط بها إلا هو(لا أُحْصِي ثناءً عليك أنتَ كمَاأثنيتَ على نفسكَ)([3]) وأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام في مناجاته لربه أنلله أسماء أخرى قد يعطيها ويعلمها من يشاء من عباده وقد يستأثر بها .

( أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هو لك سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أوعَلَّمْتَهُ أَحَداً من خَلْقِكَ أو أَنْزَلْتَهُ في كِتَابِكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَبِهِ في عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ ) ([4]).عليه الصلاة والسلام؛ فهاتانالصفتان من صفات الله؛ القدرة على كل شيء، والعلم المحيط بكل شيء، فيجب على المسلم أن لا يغفل عن هذين الوصفين؛ العلم المحيط والقدرة الشاملة ويستحضر بقية أسماء اللهوصفات كماله؛ فإنه كلما استحضر كمالات الله بصفاته وأسمائه كلما ازداد له هيبةوحياء وتعظيما وإجلالا وخوفا ورغبة ورهبة؛ كلما استحضر أسماء الله الحسنى وصفاتهالعليا كلما وجدت هذه المعاني والآثار الطيبة في نفسه، وهذا توفيق من الله؛ من أرادالله توفيقه منحه هذه الذاكرة الطيبة والمشاعر الطيبة النبيلة﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَهَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾(الكهف 28) فنعوذ بالله من الغفلةوالنسيان؛ الغفلة عن ذكر الله وذكر الله ليس باللسان فقط وإنما الغفلة عن استحضارعظمته وجلاله سبحانه وتعالى وقدرته وعلمه واطلاعه وعدله سبحانه وتعالى وإحسانهوكرمه .

بعد هذا التنبيه العظيم لابنه والوعظ الأكيد بأن الله قد أحاط بكلشيء علمًا ومعناه احذر أن تعصي الله تبارك وتعالى، احذر أن تعصي الله؛ فإن الله سبحانه وتعالى شهيد مطلع وقدير على كل شيء، يحصي عليك كل شيء فإن لم يشأ أن يغفر لكفقد هلكت وإن كان شركا فالهلاك محقق لا شك .

﴿يَا بُنَيَّأَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ ما قال: صلي، وإنما قال : ﴿ أَقِمِالصَّلاَةَ ﴾وتنبّهوا لمعنى الإقامة : يعني؛ أن تأتي بها على الوجه الأكمل الذيشرعه الله سبحانه وتعالى من الطهارة التي لا تقبل الصلاة إلا بها، فلابد من الطهارةمن الحدثين الأصغر والأكبر( لاَ يقبل الله صَلاَة بِغَيْرِطُهُورٍ)([5]) فلابد من الطهور والطهارة من الحدث الأصغر والأكبر، ولابد منستر العورة ولابد من استقبال القبلة، وهناك أركان لا بد منها؛ من التكبير إلى التسليم لابد من الإتيان بها، تفتتح صلاتك بتكبير الله وتعظيمه سبحانه وتعالى فتقول: (الله أكبر) ثم تقرأ الفاتحة -ولابد منها- ( لا صَلاةَلِمَنْ لم يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ )([6]) ثم تركع حتى تطمئن راكعًا وإذا لم تأت بالطمأنينة فصلاتك غير صحيحة، فلابد من الطمأنينة، ثم ترفع حتى تطمئنقائما وحتى يعود كل فقار إلى مكانه، لا تستعجل، فلابد من الطمأنينة، ثم تهوي إلىالسجود بعد هذه الطمأنينة وتأتي بالسجدة الأولى حتى تطمئن فيها ساجدا، ثم ترفع رأسكوتجلس تذكر الله في هذا الجلوس بين السجدتين ثم تسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل مثلذلك في صلاتك كلها كما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسيء صلاته؛

فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دخل الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، فَسَلَّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ وقال: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لم تُصَلِّ فَرَجَعَ يُصَلِّي كما صلى ثُمَّ جاءفَسَلَّمَ على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لمتُصَلِّ ثَلَاثًا، فقال: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ ما أُحْسِنُ غَيْرَهُفَعَلِّمْنِي فقال: ( إذا قُمْتَ إلى الصَّلاَةِ فَكَبِّرْثُمَّ اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حتى تَطْمَئِنَّرَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتى تعتدل قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حتى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حتى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذلك في صَلاَتِكَكُلِّهَا )([7]).

وقوله: ( اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَمن الْقُرْآنِ )هذا مبين بقوله عليه الصلاة والسلام( لا صَلاَةَ لِمَنْ لم يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ )،بعض المذاهب كالمذهب الحنفي يتعلق بقوله(اقْرَأْ ماتَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ )قالوا : يقرأ المصلي أي آية ولو﴿ مُدْهَامَتَان ﴾تكفي ! هذا غلط؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بينالمراد من قوله (ثم اقْرَأْ ما تَيَسَّرَ مَعَكَ من الْقُرْآنِ) بقوله عليه الصلاةوالسلام  لا صَلاَةَ لِمَنْ لم يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِالْكِتَابِ) ( من صلى صَلاَةً لم يَقْرَأْ فيهابِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلاَثًا غَيْرُ تَمَامٍ )([8])خداج يعني؛ ميتة مثل جنين الناقة يخرج سقطا ميتا لا فائدة فيه .

وتصلي خاشعًا للهمستحضرا عظمته سبحانه وتعالى ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَالَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ..﴾ إلى آخر الآية الكريمة،الشاهد منها: الخشوع في الصلاة؛ الخشوع هو روح الصلاة، وصلاة لا خشوع فيها ولااستحضار فيها لعظمة الله سبحانه وتعالى ولا تدبر لما يقرأه المصلي فيها خلل شديد؛يكفي أنه لا يصدق عليه هذا الوصف﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْخَاشِعُونَ ﴾ يُحرم من هذا الثناء ومن هذا المدح العظيم .

فاحرص علىأن تخشع في صلاتك؛ أن تنسى الدنيا؛ تنسى المال والعيال وتنسى كل شيء ولا يبقى فيذاكرتك إلا استحضار عظمة الله سبحانه وتعالى وتدبر ما تتلوه من الآيات التي تزيدكإيمانا .

ثم بعد ذلك تقرأ التشهد وتسلم ( تحريمها التكبيروتحليلها التسليم)فلا تخرج من هذه الصلاة بشيء إلا بالتسليم (السلام عليكمورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) تُسلم على نفسك وعلى الملائكة وعلى كلعبد صالح في السماء والأرض؛ هذا السلام يبلغ كل عباد الله (السلام عليكم ورحمة الله) يتناول الملائكة ومؤمني الجن ومؤمني البشر كل صالح في السماء والأرض يتناولههذا الدعاء فكما يدعو الواحد لنفسه يدعو لإخوانه ويدعو للملائكة أيضا، هذا الدعاءلهم، والملائكة يدعون لنا فنكافؤهم

فتستحضر أن هذا السلام على كل عبد صالحتكسب أجرا عظيما وإنما الأعمال بالنيات وقد يسلم الإنسان وهو ناس ما يدري على منيسلم ويظن أن السلام مجرد حكاية !

لا بد أن تقصد هذا الأمر العظيم الذي نبهنا عليه رسول الله عليه الصلاة والسلام

فهذا هو معنى إقامة الصلاة،وتصلي كما كان رسول الله يصلي ما تصلي بكيفك ولا على أي مذهب كما تريد، وإنما كماكان رسول الله يصلي اسأل وادرس واعرف كيف كان رسول الله يصلي وحاول أن تصلي كصلاتهكأنما هو أمامك الآن قائم ويقرأ ويركع ويسجد إلى أخره كما رأيته يصلي، وقد حفظهالنا الصحابة بكل دقة، ونقلوا كل حركة في صلاته عليه الصلاة والسلام، فنحاول أننعرفها فنصلي كما كان رسول الله يصلي فإنه خير المقيمين لهذه الصلاة وخير القائمينبها عليه الصلاة والسلام فنتأسّى به ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيرَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَالآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾ (الأحزاب 21)

ثم قال بعد ذلك﴿وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْعَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ﴾ .

يعني أن هذه من الأمور الواجبة المتحتمة؛ هذا منهج أصيل في دعوات الأنبياء عليهم الصلاةوالسلام؛ إقام الصلاة وإيتاء الزكاة -وهي ما ذكرت هنا- والأمر بالمعروف والنهي عنالمنكر والصبر على الأذى، وهذه أمور محتّمة يعني من واجبات الأمور ومعزوماتها التيحتمها الله على عباده، فلابد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابد من إقامةالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولابد من الصبر؛

الصبر واجب على ما ينالكيصبر المؤمن ويحتسب، يأمر بالمعروف، يأمر بالتوحيد، ينهى عن الشرك، يأمر بالصلاة،يأمر بالزكاة، يأمر ببر الوالدين، يأمر بذكر الله، يأمر بالطاعات، حتى يأمربالمستحبات فإنها من المعروف؛ الأمور المستحبة تعلم الناس إياها وترغبهم فيهاوتدعوهم إليها وتبين لهم الآثار السيئة على التهاون فيها

النهي عن المنكر؛تنهى عن الشرك، تنهى عن المعاصي، عن الكبائر، عن الصغائر، عن أنواع الفسوق والمعاصيكبيرها وصغيرها، هذا هو المنكر

المنكرات أول ما يدخل فيها الشرك، ويدخلفيها البدع، ويدخل فيها المعاصي كبائرها وصغائرها؛ فإن المنكر ضد المعروف

المعروف ما يعرفه الشرع ويدعو إليه، والمنكر ما ينكره الشرع ويستحقرهويحذر منه وينهى عنه؛ فتأمر بكل معروف بدءاً من التوحيد إلى آخر حسنة من الحسناتإلى الأمر بإماطة الأذى عن الطريق؛ فإن( الإيمان بضع وسبعونشعبة أو بضع وستون شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عنالطريق)([9])فأنت تأمر بهذا المعروف بدءًا من لا إله إلا الله مُرورًا بالصلاة،بالزكاة، بالصوم، بالحج، بِبِرّ الوالدين، بالأخلاق الطيبة إلى أخره إلى آخر شيء وأدنىمراتب الإيمان: إماطة الأذى من الطريق؛ هذه كلها من الإيمان ومن المعروف الذي يجبأن يقوم به المسلمون .

والمنكر: الشرك والبدع والكبائر والصغائر والمعاصيوالأخلاق المنحرفة وإلى أخره؛ كل ما ينكره الشرع والعقل؛ العقل السليم الذي يوافقالشرع كل ذلك منكر والتقاليد السيئة واتباع الأعداء والانقياد لهم والتشبه بهم وإلىآخره .

أنظر ! عندنا كثير من الشباب يكشفون رؤوسهم ! من أين جاءتهم هذهالعادة؟ من الغرب، فيجب أن نخالفهم ولا نتشبه بهم(مَن تَشَبَّهَبِقَوْمٍ فهو مِنهم). ([10])

كان كشف الرؤوس من خرم المروءة عند المسلمين؛ يعني الذي يمشي في السوق كاشفا رأسه عندهم مخروم المروءة ولا يقبلون شهادته،فتخلصوا من تقليد الغرب ومن تقاليده السيئة -بارك الله فيكم- لا تقلدوا أعداء الله،عندنا معروف وعندنا أخلاق وعندنا عادات عالية رفيعة، وهم عندهم عادات ساقطة؛ يأكلونلحم الخنزير ويستبيحون المحرمات وهبوط أخلاقي لا نظير له ودياثة و… و… إلىآخره، فكيف نتشبه بهم وهم أسقط خلق الله وأحطّهم ؟! لا نتشبه بهم أبدا -بارك اللهفيكم- هذا من الأخلاق التي سنتكلم عنها

ثم قال : ﴿وَلاَتُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾

الصعر هو الميل؛ لا تتكبر على الناس؛ عندما يكلمك أحد تدير خدّك هكذا؛ هذا من الكبر يكلمك أحد فتعرض عنه وتلتفت هكذاوأنت شامخ؛ لا هشاشة ولا انبساط؛ يعني مستكبر ومتعالٍ ! 

فهذا نهي عن الكبر،ومن آثاره أن يلوي عنقه هكذا؛ يصعر خده للناس يعني يلويه هكذا .من الصعر وهومرض يصيب الإبل فتلتوي أعناقها

فهذا زجر عن الكبر، فعليك بالتواضع؛ التواضع لله رب العالمين، والتواضع لعباد الله المؤمنين، تعامل مع الناس بالأخلاقالطيبة، والكبر مذموم جدا ويدفع كثيرا من الناس إلى الكفر بالله! يستكبر فلا يستمعللرسل ولا يسمع لآيات الله﴿ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَاوَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراًفَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾(لقمان 7)

فالكبر من أكبر الدوافعإلى الكفر بالله ورفض ما جاءت به الرسل عليهم الصلاة والسلام و ( الكِبْرُ بطر الحق وغَمْطُ الناس)([11])وردّ الحق؛ يعني سواء ردالحق بما في ذلك التوحيد أو أي حق من الحقوق يأتيك فلا تخضع له وترفضه وتحتقر منيأتيك به؛ تغمط الذي يأتيك به وترد الحق الذي عنده

ولا يجوز الكبر بأي حالمن الأحوال؛ خلق ذميم ويبغضه الله( الكبرياء رِدائي والعظمةإِزاري فَمن نازعني واحدًا منهما قَذفتُه في النار)([12])وفي رواية ( الكبرياء ردائي فمن نازعني في ردائي قصمته )يعني يهلكهويقطع دابره، فلا تستكبر و ( لا يدخل الجنة مَنْ كان في قَلبهمِثقال ذَرَّة مِن كِبْر)([13])

حارب نفسك من الكبر؛ خلق خبيث يدفع إلىالكفر وإلى احتقار الناس وإلى رد الحق. لهذا؛ هذا الحكيم وصى ابنه أن لا يصعِّر خدهللناس؛ أن لا يتكبر على الناس؛ يكلمك أحد وأنت شامخ معرض عنه، تواضع؛ أنت إنسانمسكين، ضعيف، خُلِقت من تراب، خُلِقت من منِّيٍ قذر وتتغوط وتزور الحمام مرات كل يوم، كيف تتكبر ؟!

كيف تتكبر على الناس وأنت هذا حالك، من أنت ؟!

ثم لو تصيبك شوكةتبكي منها كيف تتكبر على الناس ؟!

فيجب على الإنسان أن يهين نفسه إذا تكبرت وشمخت ويذكِّرها بحقارتها ودناءتها، وأن من أحقر الناس المستكبرون -والله أنا في نفسي- ماأحتقر إلا المستكبرين والكذابين، والله أرى أضعف الناس فأقول هذا أحسن مني، وأرىالمتكبر مهما كان من أي طبقة والله من أتفه الناس وأحقر الناس عندي؛ لا أحقر منالمتكبر ولا يتكبر إلا من دناءة وانحطاط خلقي ونفسي

﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّمُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ لا تختل ولا تفخر هذا من آثار الكبر؛ المشي المَرِحوالبطر والأشر والاختيال، ﴿إن الله لا يُـحِبُّ كُل مُختال فَخُور ﴾يفتخر على الناس بنسبه، بجاهه، بماله، بسلطانه، بعلمه، بأي شيء يختال على الناسويفتخر عليهم ؟! الله يبغض هذا الخلق؛ خلق بغيض، خلق دنيء، يبغض الله أهله ويحتقرهمويزدريهم ويعاقبهم أشد العقوبة على هذا الخلق؛ إذا ما أحبك الله فما معناه ؟! معناهأنك عدوٌّ لله إذا ما أحبك الله، وأنت على كبر واختيال وافتخار وتطاول على الناسبأي شيء من الأشياء التي تفتخر بها﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِمَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً ﴾(الإسراء 37 )

من أنت ؟! حتى لو بلغت الجبال طولا لا يجوز لك أن تتكبر، وحتى إذاخرقت الأرض إلى الأرض السابعة لا يجوز لك أن تتكبر؛ لأنك مخلوق مسكين، ومن حق اللهعليك أن تتواضع، والله فرض عليك التواضع وحرم عليك الكبر؛ لأن الإسلام يحاربالأخلاق الرذيلة أشد الحرب؛ كل الأخلاق الرذيلة يحاربها الإسلام؛ الفحش والكذبوالخيانة والغش والكبر ؛كل الأخلاق هذه يحاربها الإسلام حربا شديدة، فيجب أن ننبذهاوأن نربّي الناس على ضدها من الأخلاق الطيبة التي يحبها الله تبارك وتعالى ويرضاها ويحب أن نتخلق بها، وحسن الخلق من أثقل الأعمال في الميزان يوم القيامة، وأكملالمؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، والرسول بعث متمما بمكارم الأخلاق؛ الأخلاق موجودةعند الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، منها الحياء ومما أثر عنهم ما قاله الرسول صلىالله عليه وسلم(إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولىإذا لم تستحفاصنع ما شئت)([14])

الحياء خلق كبير -يا إخوة – الحياءخلق عظيم وشعبة من شعب الإيمان، وصاحب الحياء يحجزه الحياء من أن يرتكب معصية الله؛يحجزه الحياء من أن يقع في الأخلاق الدنيئة؛ الحياء خلق نبيل وخلق عظيم لابد أنيتخلق به الإنسان؛ فإنه من أعظم الروادع للإنسان أن يرتكب معصية أو يقع في خلق دنيء، لهذا قال الأنبياء كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم( إنَّ مِما أَدركَ الناس مِن كلام النبوة الأولى إذا لم تَستحِ فاصنع ماشِئتَ )، الذي يقع في الشرك لا يستحي من الله، المبتدع لا يستحي من الله ولايحترم هذه الشريعة التي شرعها الرسول عليه الصلاة والسلام، والفاسق عنده خلق دنيءوفيه عدم الحياء من الله

فالحياء لا بد منه -يا إخوان- ولابد من نبذالأخلاق الرديئة، تعلموا هذه الأشياء وطبقوها في حياتكم -بارك الله فيكم- وأذكر حديث وفد عبد القيس

جاء وفد عبد القيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونزلواقريبًا من البقيع ووضعوا رواحلهم هناك ومشوا فورا إلى الرسول عليه الصلاة والسلاموبقي الأشج؛ تأخر ولبس أحسن ثيابه وجاء يمشي في سكينة وسلم على النبي عليه الصلاةوالسلام، قال له: ( إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحِلْمُ وَالأَنَـاةُ )يقابل الحلم والأناة: الطيش والسفاهة فحذار حذار مما ينافي هذين الخلقيين، فقال: يا رسول الله : أخلقين تخلقت بهما ؟ أم خلقينجبلت عليهما ؟ فقال: (بل خُلقان جُبِلْتَ عليهما)فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله تعالى ([15])

الله يُحب الحلموالأناة ويبغض العجلة والطيش وما ينافي هذين الخلقيين فاحرصوا على التخلق بهذينالخلقيين الذين يحبهما الله

احفظوا هذا الحديث( إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا الله: الْحِلْمُوَالأَنَاةُ )والإنسان إذا كان يفقد مثل هذه الأمور العظيمة يربي نفسهعليها، ( من يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ الله وَمَنْ يَتَصَبَّرْيُصَبِّرْهُ الله وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءًخَيْرًا وَأَوْسَعَ من الصَّبْرِ)([16])ربِّ نفسك على الصبر وعلى الحلموعلى الحكمة وعلى الأخلاق العالية

بجهادك لنفسك تتحول هذه إلى ملكات إنشاء الله والحديث يشير إلى هذا (أخلقين تخلقت بهما) يعني قد ينشأ الحلم والأناة عنالتخلق وتربية النفس على الأخلاق الكريمة، فالنفس قابلة للتربية على الخير وعلىالشر ،إن ربيتها على الشر نمت عليه وألفته وصار من طباعها -والعياذ بالله- وإنربيتها على الأخلاق الكريمة تطبعت بها وصارت جزءً من حياتها وصارت ملكة لصاحبها

فاحفظوا هذه الوصايا: التوحيد ومحاربة الشرك وإقامة الصلاة والأمربالمعروف والنهي عن المنكر والأخلاق الفاضلة العالية؛ محاربة الكبر والفخر والخيلاءوما شاكل ذلك، وتعلموا الحلم والأناة وكل هذه الأخلاق، ادرسوها من كتاب الله ومنسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام فإن هذه الأخلاق جانب مهم من جوانب الإسلام ومنصميم الدعوة السلفية، بها تنتشر دعوتكم ويرفع الله مكانتكم عند الناس، وبخلافهاتوضع هذه الدعوة وتشوه أمام الناس

فأحسنوا الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِوَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (النحل 125) لا تجادل حتى الكافرينإلا بالأخلاق الطيبة وبالتي هي أحسن؛ لا سب، ولا شتم، لا احتقار، ولا ازدراء، ولا طعن، ولا صياح، ولا صخب، ولا شيء

﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَوَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾

﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ أي لا تسرع، ﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾ يعني لا ترفع صوتك إلا بقدر الحاجة

وقال له: ﴿ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُالْحَمِيرِ ﴾إذا رفعت صوتك بغير حاجة؛ تدعو إلى رفع الصوت وبمقدار ومقياس دقيق في رفع الصوت فأنت تشبه الحمار، وأخذ العلماء من هذا أنه لا يجوز رفع الصوت؛لأن الله شبهك بأخس الحيوانات، و ( ليس لنا مثلالسوء )([17]) فلا ترفع صوتك إلا بقدر الحاجة؛ إذا كان عندك واحد أو اثنين وأنتتصيح وترفع صوتك ماذا تريد ؟! هذا يشبه صوت الحمير؛ فالصوت يكون على قدر الحاجة

والمشي كذلك؛ تمشي معتدلا متوسطا، يعني القصد الوسط؛ لا تمشي مشيةالمتماوتين ولا تسرع سرعة الطائشين توسط في المشي واعتدل وهي مشية عباد اللهالمؤمنين ﴿وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْنًا وإذا خَاطَبَهُمالجاهلونَ قَالوا سَلاَمًا﴾ إذا خاطبهم الناس بالسفاهات يقولون كلاما محترماالذي فيه السلام وفيه المسالمة وفيه دفع السيئة بالتي هي أحسن

نسأل اللهتبارك وتعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والأخلاق الطيبة الجميلةالتي يحبها الله تبارك وتعالى، وأرجو -يا إخوة- أن نعي هذه الدروس الطيبة؛ ماالفائدة من حضور هذه الدروس يوميا ثم لا نعمل، ونعطي صورة سيئة عن دعوتنا ماالفائدة ؟! 

فأسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من أهل العلم والعمل والأخلاقالنبيلة إن ربنا سميع الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

اعتنى بهذه المادة وعرضها على الشيخ حفظه الله

أخوكم فواز الجزائري

غفر الله له ولوالديهولسائر المسلمين

[1]- أخرجه البخاري في صحيحه برقم (6538)

[2]- أخرجه مسلم في صحيحه برقم (1840) وأحمد (20675) واللفظ له

[3] – أخرجه مسلم في صحيحه برقم (486)

[4] – أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3712) وصححه الألباني في الصحيحة رقم (199)

[5] – رواه مسلم برقم (224) من حديث ابن عمر، ورواه البخاري بمعناه من حديث أبي هريرة رقم (135)

[6] – رواه البخاري برقم (723) ومسلم (394) من حديث عيادة بن الصامت

[7] – رواه البخاري برقم (724) ومسلم (397) من حديث أبي هريرة

[8] – رواه مسلم برقم (395) من حديث أبي هريرة

[9] – رواه مسلم برقم (35)

[10] – رواه أبوداد في سننه برقم (4031) وهو صحيح

[11] – رواه مسلم برقم (91)

[12] – رواه أبو داود في سننه برقم (4090) وهو صحيح

[13] – رواه مسلم برقم (91)

[14] – أخرجه البخاري برقم (5769)

[15] – رواه أبو داود برقم (5225) وغيره وأصله في صحيح مسلم برقم (17)

[16] – قطعة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، رواه البخاري برقم (6105)

[17] – قطعة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، رواه البخاري برقم (6574)

Cheikh Rabi’ ibn Hadi ‘Oumayr al-Madkhali - الشيخ ربيع بن هادي المدخلي

Publié dans Rappels - تذكر

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :